اين بندر سلطان؟
يُعد بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود أحد أبرز الشخصيات في التاريخ السياسي والدبلوماسي الحديث للمملكة العربية السعودية. اسمه ارتبط بمفاصل حساسة من السياسات الإقليمية والدولية التي شهدتها العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين. تولّى مناصب مهمة جعلت منه واجهة دبلوماسية وسياسية، ليس فقط للمملكة العربية السعودية، بل للمنطقة بأسرها. لمع نجمه بشكل خاص خلال فترة عمله الطويلة سفيراً للمملكة في الولايات المتحدة، وهو المنصب الذي شغله لما يقرب من ربع قرن، في وقت كانت فيه العلاقات السعودية-الأمريكية تمر بمنعطفات بالغة الحساسية.
من خلال هذا المقال الموسع، نسلط الضوء على شخصية بندر بن سلطان، مسيرته، محطات حياته السياسية والدبلوماسية، تأثيره في الملفات الكبرى، دوره في السياسات الإقليمية، ومكانه اليوم في المشهد السعودي والدولي.
النشأة والتعليم
وُلد بندر بن سلطان في مدينة الطائف عام 1949، وهو ابن الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران الأسبق. ينحدر بندر من أسرة ملكية ذات ثقل سياسي وعسكري بارز، وكان لهذه الخلفية دور كبير في تشكيل شخصيته وطموحاته.
التحق بمدارس المملكة ثم انتقل إلى الخارج لمتابعة دراسته. درس في كلية كرانويل للقوات الجوية الملكية البريطانية، وتخرج كطيار مقاتل. لاحقاً، أكمل دراساته في مجال الطيران العسكري في الولايات المتحدة، وتلقى تدريبات متقدمة، قبل أن يحصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جونز هوبكنز، ما أعطاه أساساً أكاديمياً قوياً للانخراط في العمل الدبلوماسي.
بداية المسار الدبلوماسي والسياسي
بدأ بندر بن سلطان مسيرته الرسمية في المجال السياسي والدبلوماسي عام 1978 عندما تم تعيينه مستشاراً خاصاً في السفارة السعودية في واشنطن. سرعان ما أثبت كفاءته واتساع أفقه، ليُعيّن في عام 1983 سفيراً للمملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية، المنصب الذي ظل يشغله حتى عام 2005.
خلال تلك الفترة، ارتبط اسم بندر بن سلطان بجميع الملفات السعودية-الأمريكية، من صفقة اليمامة إلى المفاوضات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والحرب الإيرانية-العراقية، والاجتياح العراقي للكويت، وحرب الخليج الثانية، وأحداث 11 سبتمبر، ثم الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق.
الدور المحوري في العلاقات السعودية-الأمريكية
يُعد بندر بن سلطان أحد أبرز مهندسي السياسة السعودية الخارجية، خاصة تجاه الولايات المتحدة. كان يتمتع بعلاقات واسعة ووطيدة مع كبار المسؤولين الأمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. أقام علاقات صداقة شخصية مع رؤساء أمريكيين مثل جورج بوش الأب، وجورج بوش الابن، وبيل كلينتون، ما جعله صوتاً مؤثراً في واشنطن.
لعب دوراً بارزاً في تأمين صفقات الأسلحة الكبرى بين المملكة والولايات المتحدة، ونسّق عمليات حساسة مثل دعم المجاهدين الأفغان في الثمانينات ضد الاحتلال السوفييتي، بالتنسيق مع المخابرات المركزية الأمريكية، في ما أصبح لاحقاً يُعرف باسم “الحرب بالوكالة”.
بندر بن سلطان وصفقة اليمامة
واحدة من أبرز المحطات في مسيرة بندر بن سلطان كانت مشاركته في التفاوض حول صفقة “اليمامة” العسكرية مع بريطانيا، والتي تعتبر من أكبر الصفقات العسكرية في التاريخ بين دولتين. شملت الصفقة توريد طائرات مقاتلة ومعدات عسكرية، وقُدرت بمليارات الدولارات. لعب بندر دوراً محورياً في تأمين هذه الصفقة، وإدارتها، بما في ذلك التنسيق بين الجهات السياسية والعسكرية في البلدين.
الأدوار الأمنية والاستخباراتية
بعد انتهاء خدمته في واشنطن عام 2005، عاد بندر إلى المملكة ليشغل منصب الأمين العام لمجلس الأمن الوطني، وهو منصب استُحدث وقتها لتنسيق السياسات الأمنية والدفاعية للمملكة. في عام 2012، عُيّن رئيساً للاستخبارات العامة السعودية، ليصبح بذلك مسؤولاً مباشراً عن ملفات حساسة مثل مكافحة الإرهاب، والتنسيق الأمني مع الحلفاء الدوليين، والشؤون الإقليمية.
خلال فترة توليه رئاسة الاستخبارات، شارك بندر في بلورة السياسة السعودية تجاه الملف السوري، وخاصة دعم المعارضة ضد نظام بشار الأسد، بالإضافة إلى التعامل مع التحديات الأمنية الإقليمية الأخرى، ومنها التهديد الإيراني في الخليج واليمن.
الحضور في الملفات الإقليمية الكبرى
لعب بندر دوراً مؤثراً في عدد من القضايا الإقليمية، أبرزها:
-
الملف السوري: تولى تنسيق الدعم السعودي للمعارضة السورية المسلحة، بالتعاون مع أطراف إقليمية ودولية. كان له موقف واضح من رفض بقاء النظام السوري الحالي، وعمل على تحجيم النفوذ الإيراني في دمشق.
-
القضية الفلسطينية: كان بندر نشطاً في المفاوضات التي دارت في عدة مراحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخاصة تلك التي توسطت فيها الولايات المتحدة. كان من الداعمين لمبادرة السلام العربية، كما شارك في مفاوضات متقدمة حاولت تحقيق تقدم في مسار التسوية.
-
العلاقات السعودية الإيرانية: عُرف بندر بموقفه الصارم تجاه السياسات الإيرانية التوسعية في المنطقة، واعتبر أن طهران تمثل تهديداً للأمن القومي الخليجي والعربي.
ابتعاده عن المشهد الرسمي
في عام 2014، تم إعفاء بندر بن سلطان من منصبه كرئيس للاستخبارات العامة. منذ ذلك الوقت، تراجع ظهوره العلني والسياسي، وغاب عن معظم المناسبات الرسمية الكبرى. يُعتقد أنه اختار التفرغ لحياته الخاصة ومهامه الاستشارية، بعيداً عن دائرة الضوء السياسية. لكن رغم ذلك، ما يزال اسمه يُذكر كلما طُرحت ملفات السياسة الخارجية السعودية، باعتباره من مهندسيها ومؤثريها البارزين.
مكانة بندر بن سلطان في التاريخ السعودي
لا يمكن الحديث عن السياسة الخارجية السعودية الحديثة دون ذكر بندر بن سلطان. يعتبر من الشخصيات التي شكلت مفاصل حيوية في العلاقات الدولية للمملكة. تميز بأسلوبه الخاص في العمل، وحنكته السياسية، وقدرته على التعامل مع أصعب الملفات وأكثرها حساسية.
إليه تُنسب نجاحات دبلوماسية كبرى، منها تعزيز علاقات المملكة مع الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، في مرحلة حرجة شهدت تحولات كبرى في موازين القوى العالمية، وتغيراً في شكل النظام العالمي بعد الحرب الباردة، ثم في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر.
مميزات شخصية بندر بن سلطان
يُعرف بندر بشخصيته الكاريزمية، وقدرته على بناء علاقات شخصية قوية مع قادة العالم، إضافة إلى تمتعه بثقافة واسعة جمعت بين المعرفة الغربية والعربية. امتلك قدرة تفاوضية عالية، وخبرة ميدانية طويلة، إضافة إلى طلاقة لغوية مكنته من التواصل المباشر دون الحاجة إلى وسطاء أو مترجمين.
حياته العائلية
ينتمي بندر إلى الأسرة المالكة السعودية، وهو متزوج من ابنة الملك فيصل بن عبد العزيز، الأميرة هيفاء الفيصل، ولهما عدد من الأبناء والبنات، من أبرزهم الأميرة ريما بنت بندر التي تشغل حالياً منصب سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة، في استمرار رمزي للدور الدبلوماسي للعائلة.
بندر بن سلطان والإعلام
رغم أنه كان يعمل في الظل لسنوات، إلا أن ظهور بندر بن سلطان الإعلامي في بعض المقابلات السياسية لاحقاً كشف عن الكثير من الكواليس التي لم تكن معروفة سابقاً. من أبرز هذه اللقاءات مقابلة طويلة أُجريت معه عبر قناة “العربية”، تحدث فيها عن تجربته، آرائه في الوضع الإقليمي، وتفاصيل دقيقة عن علاقات المملكة بعدة أطراف دولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، إيران، وسوريا.
بندر بن سلطان اليوم
رغم ابتعاده عن المناصب الرسمية، لا تزال شخصية بندر بن سلطان محط اهتمام محلي ودولي، بالنظر إلى ما راكمه من خبرة ومكانة في السياسة الإقليمية والدولية. لا يُعرف الكثير عن تحركاته الحالية، إذ يفضل الخصوصية، لكن تأثيره التاريخي على السياسة السعودية لا يزال حاضراً، سواء في الروايات السياسية أو التحليلات الاستراتيجية.
الجدول التالي يوضح المناصب الرئيسية التي شغلها بندر بن سلطان:
| الفترة الزمنية | المنصب | الملاحظات |
|---|---|---|
| 1983 – 2005 | سفير المملكة لدى الولايات المتحدة الأمريكية | من أطول فترات الخدمة في واشنطن لسفير غير أمريكي |
| 2005 – 2012 | الأمين العام لمجلس الأمن الوطني | مسؤول عن تنسيق السياسات الأمنية والدفاعية |
| 2012 – 2014 | رئيس الاستخبارات العامة السعودية | أدار ملفات إقليمية حساسة، خاصة سوريا وإيران |
الخلاصة
يشكل بندر بن سلطان بن عبد العزيز نموذجاً استثنائياً في الدبلوماسية السعودية والعربية، ليس فقط بطول مدة خدمته، ولكن بمدى تأثيره وعمق الملفات التي تولّاها. ترك بصمة لا تُمحى في السياسة الخارجية للمملكة، وأسس لمرحلة جديدة من العلاقات السعودية-الدولية. رغم ابتعاده عن الحياة العامة، فإن سيرته لا تزال تُدرس وتُستحضر في تحليل السياسات الخارجية السعودية وتاريخها الدبلوماسي المعاصر.
المصادر:
-
مقابلة بندر بن سلطان على قناة “العربية” (2020).
-
“Inside the Mirage: America’s Fragile Partnership with Saudi Arabia” – Thomas Lippman.
